مَجاز مجلّة تنتج وتنشر محتوى رقميًا يعتمد على الكتابة الصحافية السردية والتصوير الفوتوغرافي الفَوري. تروي مَجاز قصص الناس وتجاربهم التي يغيّبها الإعلام عن المشهد - بقصد أو من دون قصد - بهدف طرح مسائل مجتمعية وتوثيق الحياة اليومية والأبعاد الثقافية للأشخاص والجماعات.
تمارس مَجاز صحافة قائمة على نسج العلاقات بين الصحافي/ة والناس، لا يكون فيه هؤلاء مجرد شخصيات يرد اسمها في مقالات، بل يكونون جزءًا من مجموعة تتقاطع فيها التجارب، ويتمّ فيها توثيق المشاعر وتدوين الأشكال المختلفة التي يتخذها إدراكهم للواقع. عبر طرح مسألة تلو الأخرى، تهدف مَجاز إلى بناء أرشيف لمشاعر الناس، لأن "التاريخ لا يصنع المشاعر فحسب، المشاعر تصنع التاريخ أيضًا".
لا ذاكرة من دون سرد. تذهب مَجاز في طرحها للمسائل أبعد من توثيق الحدث نفسه، لا انتقاصًا من أهميّة توثيق الأحداث، بل لأنها وظيفة تؤديها أصلًا الصحف اليومية والمواقع الإخبارية. لذا، تروي مَجاز قصص الناس من أجل تحقيق واحدة من أمتن وظائف السرد: إثراء الذاكرة الجماعية.
تولي مَجاز هذا الاهتمام الكبير لمشاعر الناس انطلاقًا من قناعة لديها بأنّ هذه الانفعالات تكوّن وعيًا – ولاوعيًا – جماعيًّا يؤسس لما هو آتٍ ويساهم في فهم ما مضى. تطمح مَجاز إلى بناء أرشيف تُحفظ فيه مشاعر ورؤى وأسئلة تعيش أطول من الذين اختبروها، وتكون بمنزلة مرصد مجتمعيّ يمكن العودة إليه في أي وقت لفهم مشاعر الناس في حقبة معيّنة من حياة هذه البلاد.
تلتقي مَجاز الأشخاص في بيوتهم الحقيقية والمتخيّلة، في البيوت التي يعودون إليها في المساء، والبيوت التي يحملونها معهم في كل مكان. تستمع إليهم، ثم ترتّب قصصهم، وتسردها وتحفظها في نصوص مكتوبة، وفي صور فوريّة تلتقطها لهم.
المجاز في اللغة هو التجاوز والتعدّي. هو أيضًا الممرّ والدهليز. ويشير المجاز في حقل العمارة إلى الرِّواق الذي يربط باب المدخل بصحن المنزل في البيت العربي التقليدي، ويمهّد للعبور من غرف البيت إلى الشارع، مع الحفاظ على خصوصية ساكني البيت، لئلا يكون الاجتياز من الخاص إلى العام مباغتًا.
تهدف مَجاز إلى تَسييس الواقع المعيش، لتكون هي الرواق في بيتنا اللبناني، ولتعيد حياكة الرابط بين الحيّز الخاص والحيّز العام، بين الحميم والمُباح، وبين الفردي والجماعي، وتسعى لتحرير النقاش حول التأثير المباشر وغير المباشر لمسائل سياسية واجتماعية في الحياة اليومية والعادية.
تطمح مَجاز إلى إعادة الإنسان، بمشاعره وهواجسه وتطلّعاته، إلى صلب العمل الصحافي، باعتبار الصحافة وسيلةً للالتقاط اليومي للحياة، وممارسة تلحظ حياة الناس في تفاصيلها.
في المنعطفات الرئيسية التي تحدّد مسار التاريخ، كما في الأيّام العاديّة، تنشغل الصحف والوسائل الإعلامية بالبحث عن العناوين العريضة؛ بإعلان الحروب والسلام وأعداد اللاجئين وحجم الخسائر، وبإقرار القوانين ودخولها حيّز التنفيذ ثم خروجها منه. في المنعطفات الرئيسية التي تحدّد مسار التاريخ، مَن يحكي قصص الناس؟ مَن ينقل السؤال والشعور والتجربة؟ تأخذ مَجاز على عاتقها مهمّة سحب التجارب من العتمة إلى الضوء وربطها بتجارب أخرى تتقاطع معها.
ووسط الانشغال بنقل الصورة الكبرى وبمشاهد البانوراما، من يلتقط للناس صورًا صغيرة تُحفَظ في درج أو في جيب محفظة، أو في أحسن الأحوال، تُعرض في بِرواز؟ تفضيلاً للمحسوس على الرقمي، تعتمد مَجاز على التصوير الفوتوغرافي الفَوري لصغر إطاره، ولجماليته العالية، على الرغم من قدراته التقنية البسيطة. تعتبر مَجاز إطار الصورة الفَورية نافذةً على قصص الناس في مساحاتهم الخاصة، ونافذةً للناس يطلّون من خلالها على الحيّز العام.
نشرتُ أوّل مقال لي في جريدة محلية تصدر في طرابلس شمال لبنان. يومها، اعتبرت الصحافة تمرينًا على الكتابة الأدبية: أنشر بعض المقالات في مرحلة أولى، ثم أنتقل من بعدها إلى نشر الكتب. وبالكتب أقصد الروايات. لكنني استمررت بالعمل الصحافي، بالتقاء الناس في مساحاتهم والكتابة عنهم.
طوال أكثر من عشر سنوات، عملتُ في الصحافة العربية والفرنكوفونية، ونشرت مقالات وتحقيقات في صحف، أبرزها لوريان-لو جور، والعربي الجديد، والمدن، والسفير. عملتُ أيضًا استشاريّة في الاتصال والإعلام لعدد من المؤسسات اللبنانية والعربية، وأقيم اليوم بين لبنان وفرنسا.
خلال تغطيتي أحداثاً وقضايا سياسية واجتماعية وبيئية، كنت أميل إلى الابتعاد عن قلب الحدث، حيث تتزاحم وسائل الإعلام، وأفضّل مراقبة ما يحدث على طرف الواقِعة، كمراقبة الدوائر التي تحيط بحجر عند رميه في الماء: كيف تؤثر على الناس من حولها، وكيف تبدّل وجه المكان الذي تتشكّل فيه.
في مناسبات عديدة، مارستُ المهنة بصورة معاكسة، فالصحافي متعجّل يلتقط الخبر ويسارع إلى التحقق منه ونقله، لكنني تأكدتُ لاحقًا أنّ الواقِعة مهمّة بقدر أهميّة وقعِها على الناس من حولها. فالأخبار والمعلومات، إذا خرجت عن السياق السردي لتجربة الأشخاص والمكان، تكون توثيقًا للأحداث، لكنها لا تُثري الذاكرة الجماعية.
توازيًا مع عملي الصحافي، تخصّصتُ في الأدب الفرنسي المُعاصِر، وحاولت في كتاباتي أن أجمع بين الصحافة والأدب، مقتنعة بأنّ العالمَين متداخلان، وأنّ الصحافة تتعدى كونها مجرّد مهنة لتقديم الأخبار، بل هي مهنة تقدّم للقارئ فهمًا أكثر عمقًا للعالم الذي يحيط بنا، من خلال المتعة الفنية والأدبية التي تتحقق عبرها كل الغايات الأخرى.
إلى جانب اهتمامي بالأدب، أهتمّ بعلم النفس، وبنظرية التحليل النفسي. أسعى بصورة مستمرة لتعميق فهمي لهذا المجال، وللنفس البشرية، وأعتبر أنّ مشاعر الناس، مسبّباتها وتأثيراتها، هي المكوّن الأهمّ في أيّ تجربة بشرية، مهما كَبُرت.
لم أجد مساحة أمارس فيها بصورة تامة رؤيتي للصحافة في الواقع الحاليّ. لذا، أسّستُ مَجاز.